تنويع الاستدامة أو تركيز التأثير؟

ع ع ع

مثال المُتحف والمكتبة

لنتأمّل في هذا المثال: على الجانب الغربيّ الأعلى من مانهاتن، عبر سنترال بارك من متحف المتروبوليتان للفنون Met، تقِفُ الجمعيّة التاريخيّة في نيويورك شامخةً، وقد تمّ تأسيسها في عام 1804 كمتحف ومكتبة قبل 62 عامًا من تاريخ مُتحف Met و91 عامًا قبل مكتبة نيويورك العامة (NYPL)، وهي مؤسسةٌ غير ربحيّة أيضًا مثلها مثل مُتحف Met والجمعيّة التاريخيّة، وهذه المُؤَسّسات الأصغرُ سنًا هي الآن أكبرُ بثلاثين مرّة من  الجمعيّة التاريخيّة.


الاستدامة هي شرطٌ ضروريٌّ للنّجاح على المدى الطّويل، ولكنّها ليست كافيةً لتحسين تأثير المُنَظّمة، وفي مثالنا يبلغ عمر الجمعيّة التاريخيّة أكثر من 200 عامٍ، ومن الواضح أنها مُستدامةٌ، لكنّها منذ فترة طويلةٍ تنازلت عن دورها البارز بين متاحف ومكتبات نيويورك لمُنافسيها الشّباب، وتتناولُ هذه المقالة كيفية قيام المُؤَسّسة بإدارة تَكوين إيراداتها لتَتجاوز الاستدامة، وتعظيم إمكاناتها للنّمُوّ.


التّنويع أم التّركيز؟

جميعُ الأموال التي تتدفّق إلى المُنظّمات غير الربحيّة ليست متساويةً، فكُل مصدر دخل له خصائصُ محددةٌ، ولا يوجد نقصٌ في نظريّات إدارة الإيرادات. ومع ذلك، ولكن من المعروف عن هذه النّظريّات هي نظرية الاعتماد على الموارد، التي تفترضُ أنّ "أنشطة المُنَظمات غير الرّبحيّة تتأثّرُ بالمُمَوّلين من الخارج. 


وتتوصّلُ المُنظمة غير الرّبحية ومُموّليها إلى اتفاقٍ ضمنيٍّ في كثير من الأحيان على مجموعة من الأهداف، وبالتّالي التّفاوض على مَصدرٍ مُستقرٍّ للعائدات لتحقيق هذه الأهداف، ونُرَكّزُ في هذا القسم على نظريّتين مُتناقضتين حول كيفية تحقيق هذا الاستقرار: محفظةُ النّظريّة والنّظريّة المِعياريّة.


من نظريّة المِحفظة تأتي فكرةُ أنّ تنويع الإيرادات يُمكنها أن تُقلّل من التعرّض الماليّ للرّكود وغير ذلك من الصّدمات الاقتصاديّة الخارجيّة، وهو أمرٌ غير بديهيّ، ولكن قد يكونُ من المُمكن التنبُّؤ بمصدرَيْ إيرادات مُتقلّبَيْن للغاية من مُختلف خُطُوط الأعمال أكثرَ ممّا يُمكن التنبُّؤ به من مصدر آخر على حدة، ولكن كُلُّ خطٍّ من خطوط الأعمال يتطلّب أيضاً نظاماً لدعمه، وجعل إدارة المنظمة وتنميتها أكثر تكلُفةً.


تُشيرُ النّظريّة المِعياريّة إلى أنَّ المُنَظّمات ينبغي أن تُركِّز على المصادر المُرتبطة بشكل فريدٍ بالفوائد التي يُمكن توفيرها لمجموعةٍ سكانيةٍ معينةٍ، وبعبارةٍ أخرى، أن توصي بالتّركيز. وأمّا الجانب السلبي يتمثّلُ في وجود ضُعفٍ أكبر للاضطراب في مصدرٍ مُعيّنٍ من مصادر الإيرادات. 


كيف يبدو مزيجُ الإيرادات في المُنظَّمات غير الربحية؟ 

يعرف كل قارئ لهذه المقالة أنّ مزيج الدّخل لدى المُنَظّمات غير الربحيّة يمكنهُ أن يكون شديدُ التنوُّع، ولكن تبدو الأمزجةُ غالبًا متشابهةَ في مجال المُمارسة، كما أنّ العديد من المجالات تظهر رجحان نوع من الدّخل على نوع آخر.  


على سبيل المثال، يستخدمُ ما يقرُبُ من 70 % من المُنَظّمات نموذجَ تمويلٍ يعتمدُ بشدةٍ على العمل الخيريّ، والاعتماد على العمل الخيريّ أعظمُ في فئات الفنون، والخدمات المرتبطة بالحيوانات، والخدمات الشبابيّة، والدّعوة، والعمل الخيريّ. ويتجاوزُ جزء المُنَظّمات في كل مجموعةٍ من هذه المجموعات 90 %، وتُمَثّلُ الهدايا ما بين 45 و55 % من إجماليّ عائداتها.  


وأمّا المُنَظّماتُ في مجال الرّعاية الصحيّة فإنّها تعتمد بشكلٍ خاصٍّ على الدّخل المُكتسب (90 % من مُقدّمي الخدمات لديهم بعض الدّخل المُكتسب، الذي يُمثّل في المُتوسّط 74 % من إجمالي إيراداتها). 


وأمّا الفنون والإسكان فإنّهُما مُتقاربان من حيث الكَسب الذي كسب الدخل (89 و 88 % على التّوالي)، يُمثل الدّخل المكتسب 40٪ من إجمالي إيرادات مؤسسة الفنون المتوسطة، و 61٪ من إجمالي إيرادات مؤسسة الإسكان المتوسطة، والمنظمات غير الربحية الأقل اعتماداً على الدّخل المكتسب تقع في فئة الأعمال الخيرية (11 %)، كما أنّ مُعدّلُ مجال الدّعوة ليس بعيدًا عن هذه الفئة (16 %).


وقد أصبحت العديد من المنظمات غير الربحية الكبيرة التي جربت مع مصادر تمويل متعددة في المراحل المبكرة من التنمية كبيرة من خلال تبني نوع مصدر واحد بعينه. ومن بين 200 ألف حالة غير ربحية حصلت على اعتراف بوضع الإعفاء منذ عام 1970، فإنّ 144 حالةٍ فقط لديها حالياً ما لا يقل عن 50 مليون دولار في هيئة عائدات سنويةٍ، فأغلب هذه المؤسسات تجمع القسم الأعظم من أموالها من نوع واحد من مصادر التمويل، وقد أنشأت منظماتٌ مهنيةٌ مصممةٌ خصيصاً لتلبية احتياجات مصادر تمويلها الأساسيّة.


وبالتّالي فإنّ المفتاح إلى النمو قد يكون في إيجاد مزيج العائدات الصحيح، والذي قد يتألف في واقع الأمر إلى حدٍّ كبيرٍ من مصدرٍ واحدٍ مناسبٍ تماما، وينبغي أن تتوافق مصادر الدّخل مع طبيعة الفوائد الممنوحة لمقدمي هذه الموارد أو التي تهمُّ تلك الموارد.


العودة إلى المثال  

إنّ جمعية نيويورك التاريخيّة هي متحفٌ ومكتبةٌ، وعلى الرّغم من أنّ كِلا القسمَان مُكرّسان لحفظ القطع الأَثَريّة، إلاّ أنّ إمكانات جمع الإيرادات لكل قسم مختلفة تمامًا. وأغلب المتاحف خاصّةٌ، في حين أنّ أغلب المكتبات مملوكة ومدارة من قبل القطاع العام ، مما يشير إلى أنه من الصعب دعم المكتبة على الدخل المكتسب أو العمل الخيري الخاص. 

يمكن للمتاحف أن تدر إيرادات من رسوم القبول وإيرادات متاجر الهدايا، ومن المُرجّح أن تذوي المكتبات إذا حاولت فرض رسوم الدّخول، ونادراً ما يكون لديها متاجر لبيع الهدايا (المكتبات)، وقد يكون لكل من المًؤسّستين أعضاءٌ يدفعون المستحقات، ولكن هؤلاء الأعضاء الذين يطلق عليهم اسم الأعضاء لا يتمتعون بميزة انتخاب مجلس الإدارة، لذا فإن دورهم يصبح أقرب إلى المانحين.  


وتعكس البيانات هذه الاختلافات: والواقع أن إجمالي نفقات الميزانية الصافية مُساويةٌ تقريبا، ولكن عائدات خدمات البرامج في المتحف أكبر بثماني مرّات، والدخل من عضويتها أكبر بعشر مرات، والدخل الصافي من بيع المخزون أكبر بخمسة وأربعين مرة. ومن ناحية أخرى، فإنّ الدّعم الحكوميّ لـلجمعيّة التاريخيّة NYPL يتجاوز ستة أضعاف الدعم المقدم إلى متحف المتروبوليتان للفنون Met.


 في الوقت نفسه، تعتمد الجمعية بالكامل تقريباً على الهدايا، ويستمدُّ مُنافسوها ما يقرب من ثلث عائداتهم المًجمّعة من الدعم الحكومي وثلثٌ آخرٌ من دخل الوقف، كما أصبح دعمها الخيري تحت ضغوطٍ شديدةٍ، حيث تدفع تكاليف الأنشطة التي تُموّلها المؤسسات المتنافسة مع مصادر دخل مختلفة.  وخلال وجودها، لم يكن للجمعيّة أي دعم حكوميّ. وحتى اليوم، لا تُغَطّي الحكومة سوى 8% من النّفقات المُبلّغ عنها، لذا فمن الواضح أنّ متحف الجمعية يدعم مكتبته على نحو شامل. 


وفي ردّ فعل على أزمات الميزانية المتعاقبة، خفّضت الجمعيّة تاريخياً ميزانيات المتحف والمكتبة جنباً إلى جنب، ورًغم أنّ آليات عمل الجمعيّة الداخلية خاصةٌ، فإن المرء يتصور أن هذه السياسة الزوجيّة كانت سبباً في تقليص الدعم الذي يتمتّع به المتحف للمكتبة، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم مشكلة الميزانية الإجمالية.  


بالإضافة إلى ذلك، فالمَكتبة لا تحصُل إلّا على عائدات ضئيلة من خدمات البرامج، وبالتّالي فإنّ لها أولاً مطالبةً بهدايا غير مقيدةٍ، وهو ما يُرجّح فرضيّة ترك المتحف دون تمويلٍ كافٍ، لأنّهُ ودون الدّعم الحكوميّ، لم يحقق قسم المكتبات في الجمعية قطُّ إمكانات النموّ، ومع قيام قسم المتاحف بدعم قسم المكتبة، فقد حرم المتحف من الموارد التي يحتاجها لتحقيق إمكاناته الخاصة بالنموّ.


الاستنتاجات 

تشرحُ النّظريّة المعياريّة مَسارات نموُّ المُنَظّمات، صمّم مُتحفُ Met وجمعيّةُ the NYPL هيكلَ عائداتِهما للمجموعات التي يَخدمانها، وقد اعتمدَت جمعية نيويورك التاريخيّة بشكلٍ كبيرٍ جدًّا على الأعمال الخيريّة. 


تُشيرُ النّظريّة المِعياريّة إلى أنّ الجّمعيّة حدّدت دائٍرتها الانتخابيّة بشكلٍ ضيّقٍ للغاية لمَصلحتها على المدى الطويل، ويُعدُّ هذا الفحصُ الشّامل مثالاً على تحليل مجموعة النُّظراء الذي يُجيب على السُّؤال: "ما هي مصادرُ الإيرادات المُتوافقة مع أنواع السّلع والخدمات التي نُنتجها؟".


يُمكنُ للمُؤسّسة تحديدُ إمكانيّات تنميةُ الإيرادات من خلال مُقارنة مقدار مواردها، ويتمُّ الحصول على الإيرادات من كل مصدرٍ، ومُقارنة النّسب المئويّة بالمعلُومات القابِلة للمُقارنة من المُؤسّسات الأخرى ذات المُهمّة المُماثلة وطَريقةُ تقديمُ الخدمَات. 


هذه المعلومات متاحةٌ للجُمهور من خِلال مَوقع GuideStar، ويتمُّ تحديثُها سَنويًّا.


المصدر


  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top