من فنجان قهوة الفجر إلى مختبر القيادة: مراجعة فكرية لطرح مصعب آل راكان

ع ع ع

في صباح يوم الإثنين، 17 صفر 1447هـ، الموافق 11 أغسطس 2025، كنت أحتسي قهوة الفجر، وفي يدي هاتفي، أتصفح رسائل مجموعة "شباب لتنمية القطاع". هناك، وسط صمت ما قبل الشروق، ظهر رابط من الصديق المثري مصعب آل راكان.

فتحت الرابط… وإذا بي أمام نصين يبدوان كأنهما مفتاحان لبابين متقابلين:
الباب الأول يقودك إلى التمكين المرن، والثاني يفتح على التمرحل الاستراتيجي.

أعرف أن هذه ليست كلمات للتسلية، بل وصفات عملية لمن يجرّب القيادة في الميدان، في المنظمات الناشئة أو غير الربحية، حيث الحماس لا يقل عن التحديات، وحيث الفوضى والإبداع يرقصان على حافة واحدة.


المفتاح الأول: التمكين المرن

هنا يتحدث مصعب عن حرية الحركة، لكن ليست الحرية التي تتحول إلى فوضى، ولا الانضباط الذي يخنق الإبداع. بل مزيج ذكي من أربعة مكونات:

  • تفويض مع وضوح الهدف: ترسم الوجهة، وتترك الفريق ليختار طريقه.

  • تجربة ضمن حدود آمنة: الأفكار الجديدة مرحب بها، لكن بميزانية وزمن محددين.

  • مساءلة إيجابية: الفشل لا يجلد، بل يُحلَّل ويُستثمر.

  • تكيف لحظي: مقدار الحرية أو الرقابة يتغير مع نضج الفريق وظروف المرحلة.

هذه ليست إدارة… هذه أشبه بقيادة أوركسترا تعرف متى تترك الكمان ينفرد، ومتى تعيد الإيقاع إلى يد المايسترو.


المفتاح الثاني: التمرحل الاستراتيجي

ثم يأخذك مصعب إلى خريطة حياة المنظمة:

  1. التأسيس: شغف المؤسسين، ضعف الهيكل، مركزية القرار، والبحث عن التموضع.

  2. النمو: تعدد المشاريع، مواجهة خطر التشتت، والانتقال نحو تشغيل هجين.

  3. الاستقرار: وضوح الهيكل والعمليات، مع خطر الركود والرضا عن الذات.

  4. الجمود أو التحول: إما أن تتكلس المنظمة، أو تنطلق نحو تجدد استراتيجي.

ويضع القيادة التحولية في قلب هذه الرحلة، كقوة تكسر الرتابة، تقرأ الفرص وسط التغيير، وتحوّل الموظفين من منفذين إلى صناع للتغيير.


الرسالة العميقة

هذان النصان ليسا مجرد نظريتين؛ إنهما دعوة لإعادة التفكير في المعايير التي نقيس بها نجاح القيادة:

  • ليست الحرية المطلقة فضيلة إذا قادت للفوضى.

  • وليس الانضباط الصارم قوة إذا خنق الأفكار.

  • والمنظمات لا تُقاس بحجمها اليوم، بل بقدرتها على الانتقال الواعي بين مراحلها، دون أن تفقد روحها أو رسالتها.


لماذا يهمنا هذا اليوم؟

لأننا نعيش في قطاع غير ربحي سعودي يتغير بسرعة: أنظمة تُعاد صياغتها، توقعات استدامة مالية ترتفع، وضغط متزايد لقياس الأثر. وسط هذا، يصبح التمكين المرن أداة لحماية الإبداع، والتمرحل الاستراتيجي بوصلة تمنعنا من الضياع.

هذه مراجعة لا تحاول تلخيص مصعب، بل تكشف العمق العملي في طرحه، وتحفزنا لنسأل:

هل نحن نقود فرقنا نحو الحرية التي تصنع الإنجاز… أم نحو الحرية التي تبتلع الإنجاز؟
هل نعيش مراحل منظمتنا بوعي… أم نسقط من مرحلة لأخرى بلا خطة؟

حقوق النصوص الأصلية محفوظة لصاحبها: مصعب آل راكان، ويمكن الاطلاع على منشوره عبر هذا الرابط.

  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

scroll to top