استراتيجيات المانحين في دعم الاستدامة

ع ع ع

يُمكنُ للجهات المانحة أن تتّخذ عددًا من الخُطُوات لضمان أنّ الدّعم الذي تُقدّمه إلى المُستفيدين، والسّياسات والإجراءات المُرتبطة بهذا الدّعم، تُمكّن المُنظّمات غير الرّبحية من أداء مهامّها بفعاليّة. لذلك ينبغي أن يكون الهدف، كما وصفته كلارا ميلر، التي كانت تعملُ سابقًا في صندوق تمويل غير ربحيّ، في:  "خلق مُؤَسّسة قادرة على اجتذاب العائدات بشكل جدير بالثّقة وتقديم برامج جَيّدة على الأمد البعيد". 


 يُمكن لمُقَدّمي الدّعم تقديم الدّعم الفعّال والسّياقي على حدّ السّواء من خلال الإنصات إلى المانحين، والاستماع إليهم مُباشرةً حول أنواع الدّعم الذي يحتاجون إليه، وعندما يفهمون الصّورة الماليّة الفريدة لكل مُؤسّسة غير ربحيّة. بالإضافة إلى ذلك، يُمكن للمانحين دعم المُنظّمات غير الرّبحيّة الفعّالة من خلال تبسيط عمليّات التّقديم، والمُشاركة مع المُموّلين الآخرين لتجميع الموارد، واستكشاف مجموعة كاملة من النّماذج الماليّة.


دورُ المانحين في دعم الاستدامة المالية 

تتمتّع المُنظّمات غير الرّبحيّة التي تتمتّعُ بالاستدامة الماليّة بإيرادات كافية لتَلبية احتياجات التّشغيل طويلة الأجل للبرامج التي تُؤَدّي مُهمَّتها. 

هذا يعني في الممارسة العمليّة، أنّ الأنشطة الأساسيّة للمُؤَسّسة تجذب أو تدُرُّ إيرادات مُتَكَرّرة كافية لتلبية نفقات التّشغيل الجارية، وأنّها تُحقّقُ النّتيجة المرجُوّة، وهذا يعني أيضًا أنّ المُنظمة لديها رأسُ مال كافٍ، يتجاوزُ الإيرادات الحاليّة ويُوفّر بعض المرونة للتكيُّف مع مرور الوقت، لتلبية الاحتياجات غير المُتَوَقّعة والتّخطيط للمُستقبل.

ويُمكن للمانحين استخدامُ مجمُوعة مُتنوّعة من الاستراتيجيّات والأَدوات الموجُودة تحت تصرُّفهم من أجل مُساعدة المُستفيدين من المنح على تحقيق الاستدامة الماليّة. 

في ما يلي بعض الاعتبارات التي يجب على صانعي القرارات الاستثمار فيها من أجل بناء تنظيم قويّ من خلال تقديم الدّعم السّياقي والمُفيد:


1- اسأل واستمع إلى ما يقوله المانحون عمّا يحتاجون إليه:

العديدُ من المانحين ليسوا على دراية بمجموعة من التحدّيات الماليّة التي تُواجهها المُنظمات غير الربحية، وتفتقر إلى الفهم الكامل للكيفية التي تدعمُ بها ممارساتنا الحالية نجاح الاستدامة في القطاع أو لا تدعمُها. 

وقد توصّلت مجلّة GEO لعام 2011 للمُمارسات الخيريّة لأبرز المُمارسات الخيريّة، إلى أنّ أقلّ من ثُلث المُمَوّلين الذين شملهم الاستطلاع التمسوا الحصول على ردود فعل مجهولة من الحاصلين على المنح، كما جمعت ثُلُثٌ آخرٌ من ردود الفعل غير المجهولة. 

ومن دون الاستماع إلى الحاصلين على المنح، فإنّ المانحينَ أيضاً لا يعرفون كيف يُحسّنون من المنح، حتّى يتسنى لهم تلبية الاحتياجات اليوميّة الحقيقيّة التي يحتاج إليها الحاصلون على المنح. 

إنّ العلاقة الأكثَرُ انفتاحاً وشفافيّةً مع المانحينَ، من شأنها أن تُساعدنا في التوصّل إلى فهم أكثر اكتمالاً لهياكل رأس المال الأساسيّة للمُنَظّمات، ولأَنماط المال التي سوف تُساعد على تحقيق أعظم قدر من المُساعدة، فقد توصّلت دراسةٌ أُجريت في عام 2013 لصندوق التّمويل غير الربحيّ إلى أنَّ 17% من الحاصلين على المنح لا يشعرُون بأنّهم قادرُون على إجراء حوار مفتوح مع مُمَوّليهم حول المواضيع الماليّة. 

وهذا يعني أنَّ عبء التذمّر يقعُ على عاتق الجهات المانحة لطرح الموضُوع على المُستفيدين منه، وعندما تُعبّر الجهات المانحة عن اهتمام حقيقيّ بالاستماع إلى المُستفيدين من أجل فهم ما يحتاجون إليه، فإنّها تبني قاعدةً قوامُها الثّقة في تمكين المستفيدين من التحدُّث بصراحة عن تحدّياتهم واحتياجاتهم. 


ويَنبغي على الجهات المانحة التي تسعى للحوار مع المُستفيدين بشأن استدامتها الماليّة:

  • أن تأخُذ الوقت الكافي للاستماع إلى المُستفيدين من خلال الانخراط في علاقات مُحترمة والحُصول على تعليقات منتظمة.

  • مُناقشة نموذج التّمويل الحاليّ للمُنَظّمة والمخاطر والفُرص التي تُقَدّمها.

  • فهم كيفيّة تناسب المنح مع الصّورة الماليّة للمُنَظّمة غير الرّبحية، في تحديد تكاليف التّشغيل الحقيقيّة، واحتياجاتها الدّوريّة لرأس المال والتّواصل معها بشكل أفضل.

  • توفير أنواع الدّعم الذي لا تحتاجُ إليه المُؤَسّسات التي تهدف إلى تحقيق الرّبح، ولتَعزيز الاستدامة تكون أنواع المنح الأكثر فائدةً للممنوحين كبيرةً ومتعددةَ السنوات وغير مُقيّدة.


تمنحُ هذه المنح الحاصلين عليها استقلاليّةً لتغطية التّكلفة الكاملة للبَرامج، والنّفقات العامّة دون تدقيق مُفرَط من المُمَوّلين. بالإضافة إلى تمكين المُنَظّمات من بناء الاحتياطيّات التي يحتاجون إليها، وإجراء تغييرات إستراتيجيّة على عملهم، ومع زيادة حجم المنح وتقديمها على مدى فترة زمنية أطول، يُظهر البحث الذي أجراه مركز العمل الخيري الفعّال the Center for Effective Philanthropy أنّ منح دعم التشغيل العامّ لها تأثيرٌ إيجابيٌّ على المُنظّمة أكثر من المنح المُقَدّمة لدعم البرنامج.


ولكن، إذا كان المانح مُلتزمًا بتقديم الدّعم البرنامجيّ وأنواع أخرى من التّمويل المُقَيّد، فإنَّ المُمارسة الجيّدة تتمثل في تغطية التّكاليف الكاملة، بحيث لا يتمُّ تجويفُ المُنظمات في عملية تلبية متطلبات المنح.


من أجل فهم التّكاليف الحقيقيّة، يتعيّنُ على المانحين المُشاركة مع المُتحصّلين عليها في محادثة مفتوحة وصادقة حول عمليّاتهم، من جمع الأموال والأفراد إلى التّكنولوجيا والبنية التحتيّة الأُخرى. إذ لا يُمكن للجهات المانحة معرفةُ ما إذا كُنّا نُقدّم مُستوًى كاف من الدّعم لضمان نجاح البرامج والمُؤسسات التي نُموّلها دون فهم أفضل لهذه التّكاليف العامّة، وكيفيّة تأثيرها على الأرباح النهائيّة للمُنَظّمة غير الربحيّة.


2- تقليلُ العبء على المُستَفيدين: 

يُمكن لكل مَانح منح اتّخاذ خطوات لجعل عملية تقديم المنح أسهل على المُستَفيدين، والخطوة الأولى تتمثّلُ في "إضفاء طابع حقوقيّ" على مُتَطلّبات التّطبيق والإبلاغ، لتتناسب مع حجم ونوعيّة المنحة الممنُوحة لخفض تكاليف المُعاملات التي تُقلّل من قيمة المنح.


ينبغي على مانحي المنح تغيير مُتطلّباتنا كحدّ أدنى، بما في ذلك أثناء التّحليل الماليّ اعتمادًا على حجم ونوع المنحة وطبيعة علاقاتنا مع الباحثين عن المنح والمانحين. ومع ذلك، في مشروعها المُتَمثّل في المسح الذي أجراهُ مانحو المنح، وجدَ Project Streamline أنَّ 66 % لا يُغيّرون المُتطلّبات حسب حجم المنحة، وأنَّ 59 % لا يُغيّرونها تبعًا لنوع المنحة، و 72 % السّاحقة لا يبسّطون عمليّة منح المنح التي كانت تُمَوّلُ من قبلُ.

ويقترحُ Project Streamline، مجموعةً مُتنوّعةً من الخطوات الأساسيّة التي يُمكن أن يتّخذها المانحون لتيسير عمليّات التّطبيق والإبلاَغ بالنّسبة إلى المُتحَصّلين على المنح، لزيادة تخفيف العبء عن كاهل الحاصلين على المنح. وتشملُ هذه الإقتراحات قَبول طلبات المنح والتّقارير الإلكترونيّة، وتبسيط عمليّة تقديم المنح إلى خطاب استفسار قصير يُقدَّم قبل تقديم الاقتراح الكامل، وتبسيط عمليّات تقديم الطّلبات، على غرار تمديد الجدول الزمنيّ، وإحداث التّعديلات في الميزانيّة التي تكادُ تكون دائمًا ممنوحةً.  


وهناك اقتراحاتٌ أخرى تعملُ على خفض التّكاليف والجهود التي يبذلها الحاصلون على المنح، مثل تشجيع صُنّاع القرار على قبول التّطبيقات المُشتركة والمواد الموجودة لدى الجهة الممنوحة، والتحقّق من وضع الجهة الممنوحة للمُؤسسة الخيريّة في الدّاخل باستخدام منشور Guidestar أو IRS رقم 78، والدّفع مُقابل تدابير تقييم مُحَدّدة حتّى لا يتمّ تمرير عبء وظيفة التّقييم في المُؤَسّسة إلى الجهة الممنُوحة.


3- العمل مع مانحي المنح الآخرين لتقليل الموارد الروتينيّة وتجميع الموارد العامّة: 

لا يتعيّنُ على المانحين العمل من تلقاء أنفسهم لتخفيف عبء الإجراءات أثناء تقديم المنح، على المنظمات غير الربحية. في الواقع، وفي كثير من الحالات يُمكن أن يكون للمانحين تأثيرٌ أكبر من خلال العمل معًا لتبسيط العملية. 

يعُجُّ العالم بأمثلة على المانحين الذين يجتمعون لتوفير أداة مُوَحّدة على الإنترنت للممنوحين ليملأوها، كجزء من عملية تقديم الطلبات إلى أيّ من المانحين المُشاركين. إلى جانب عمليات التّطبيق والإبلاغ الشائعة، كما يستكشف العديد من المانحين في القطاع كيفية تجميع الموارد على نحو أكثرَ فعاليّةً. وهذه الجهود لها الغرض المزدوج والمُتمثّل في تبسيط عملية البحث عن البشر من أجل المُنَظّمات (بدلاً من تطبيقها بشكل منفصل على مانحين اثنين أو أكثر، فإنّها تستطيع أن تُطَبَّق مرةً واحدةً فقط)، وتقديم منح أكبرَ وأكثرَ تأثيراً. 

ويرى الباحثون في القطاع غير الرّبحيّ أنّ هناك فوائد أساسيّة للمشاركة في التّمويل المشترك مع المُمَوّلين الآخرين، وتتلخّص الفائدة الأولى في اجتذاب المزيد من المال لأنّ النّاس يُحبّون وضع أموالهم في استثمارات تمّ بالفعل فحصُها من قِبَل أُناس آخرين. 

وثانيًا، يعملُ التّمويلُ المُشترك على خلق الكفاءة في جمع الأموال وتقديم التّقارير للجهات الممنوحة، لأنَّ المُمَوّلين المشاركين لا يكتفون بمحاذاة الأموال فحسب، ولكنهم أيضًا يُوَفّقون بين متطلبات بذل العناية الواجبة وإعداد التّقارير.


4- واصل البحث عن نماذج التّمويل البديلة: 

المنح ليست كل شيء، إذ تتزايد مناشدة الباحثين عن المنح للمانحين في الحصول على أنواع مختلفة من الاستثمارات التي تلبي احتياجاتهم الرأسمالية. على سبيل المثال، لا يشكل الدَّين كشكل من أشكال رأس المال خياراً واضحاً في القطاع غير الرّبحيّ، ولكنَّ المانحين يستكشفُون على نحو متزايد استخدام القُروض لمُعالجة تحدّيات التدفُّق النقديّ التي تُواجه المُنَظّمات غير الربحيّة. 

وهناك أنواعٌ عديدةٌ من مانحي قُروض رأس المال إلى المانحين، ومن المُمكن أن يتضمّن هذا النوع من الاستثمار الرّهن العقاريّ الذي يُقدّم شروطاً أكثرَ مُلاءمةً من المُقرض التجاريّ، والتّمويل قبل التنمية للمشاريع الجديدة، والقروض المُقدمة إلى بنوك التنمية المجتمعية، وغيرها من مُؤَسّسات الإقراض الوسيط. 

ومن بين القرارات المهمة التي يتعين على صناع القرار الذين يهتمون بتقديم رأس المال للقروض إلى المنظمات غير الساعية إلى تحقيق الربح، ما إذا كان من الواجب عليهم أن يقدموا قروضاً مباشرة أو يعملون من خلال وسيط ما. وتشمل بعض الخيارات المتاحة لصانعي البرامج أن ينظروا فيها الاستثمارات المتصلة بالبرامج، والمؤسسات المالية للتنمية المجتمعية، والشّركات ذات المسؤُولية المحدودة، ذات الربح المنخفض.  


5- سدُّ الفجوة المعرفيّة:

بالإضافة إلى تبسيط الإجراءات و وتزويد المنظمات غير الربحية بأنواع الدعم التي تحتاجها لتكون فعالةً، ويمكن للجهات المانحة أيضًا أن تلعب دورًا مهمًا في ضمان أن يكون لدى المنظمات غير الربحية فهمًا أفضل للقضايا المالية الرئيسية، وكيفية دعم المُنظّمات مع مرور الوقت.  

يُعدُّ تقديم الدّعم لبناء القدرات، بالإضافة إلى الدّعم الماليّ، إحدى الطرق التي يمكن أن يستثمرَ من خلالها المانحون في بناء أنظمة ماليّة أقوَى داخل المُنظّمات غير الرّبحية. 

وفي دراسة أجريت عام 2008، وجد مركز العمل الخيري الفعّال the Center for Effective Philanthropy أنّ غالبيّة المستفيدين من تقرير مُؤسّسة كبيرة نموذجيّة لا يتلقون أي مساعدة تتجاوز المنح، مثل التخطيط الاستراتيجيّ والماليّ وتدريب المُوَظّفين والإدارة. 

وتشير دراسة مركز العمل الخيريّ الفعّال CEP إلى أنّ هذا النّوع من الدّعم "خارج المنحة" يمكنهُ أن يكون ذا قيمة هائلة بالنّسبة للمُنظمات غير الربحيّة، وأنّ معالجة مجموعة من الاحتياجات للمُنَظّمات غير الرّبحيّة أفضلُ من توفير الدّعم لمرّة واحدة.

وبالنّسبة إلى المانحين الذين لا يتمتعون بالقدر الكافي، أو لديهم الرغبة في بدء برامج بناء القدرات المتعلقة بالتّمويل والخاصّة بمنحهم، هناك خيارٌ آخر يتمثّل في العمل مع المانحين الآخرين لعقد اجتماعات غير ربحيّة لحلقات عمل حول الموضوعات الماليّة. 

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمانحين العمل مع منظمات دعم الإدارة، والوسطاء الآخرين لتقديم دعم بناء القدرات للمنظمات غير الرّبحية.


ختاماً

من أجل دعم الاستدامة المالية للممنوحين على أفضل وجه، يتعيّن على المانحين التّركيزُ على بضعة أمور أساسيّة، بما في ذلك الإنصات بعمق إلى احتياجات المنح، وتخفيف العبء عندما يتلقى الحاصلون على المنح الأموال، وتقديم أشكال مرنة ومختلفة من الدعم، والعمل مع ممولي التمويل الآخرين للحد من التّمويل الرّوتينيّ. 

ويتعيّنُ على الجهات المُموّلة أيضاً أن تسعى إلى سدّ الفجوة القائمة في المعرفة الماليّة والحوار على نحو أكثر انتظامًا مع الجهات المانحة بشأن صحّتها الماليّة واحتياجاتها.


المصدر


  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top